مكسيموس ودوماديوس والحب الإلهي

شابان في مقتبل العمر يحيا حياة القصور المنيفة والملوكيّة الزاهيّة إلاّ أنّ شوقًا ما في القلب غرّبهما عن تلك الحياة. ما الذي يمكن أن يحرّك من أحاطته كلّ جمالات الحياة وسبل الرفاهيّة إلى أن يترك .. إلى أنّ يشعر بجوعٍ من نوعٍ آخر بعيدًا عن أطايب الموائد العامرة باللّحوم والنبيذ؟!

ما الذي كان يبحثان عنه؟ هل هو حلم في السراب؟ أم خيال من نبت العقل الرومانسي الباحث عن العالم المثالي؟؟ عمّا كان يبحثان؟؟ أو بالأحرى عمّن؟؟

لِمَ كان يحبّان خلوة الصلاة بعيدًا عن أضواء القصر الباهرة بالرغم من أنّ كلّ ما يشدّ الشباب كان يحيطهما؟ من أموال إلى سلطة إلى نساء إلى نسب ملكي إلى أطعمة إلى قصور ملكيّة إلى سلطان ممتد .. إلخ؟

لماذا اقتطعا من الوقت تلكّ السويعات القليلة التي كانا يختبئان فيها ليرحلوا على قارب آخر وليفردا الشراع نحو عالم آخر؟

أسئلة قد لا يفهمها الكثير من الشباب المعاصر الذي يتألم من فرط ما يجتذبه بعيدًا عن تكريس القلب للمسيح.

مصادر الإلهاء الكثيرة هي الكلمة التي تقفز لتكون المبرّر الأوّل للابتعاد عن جزيرة الصلاة!

ولكن هناك من كان لهم من المبرّرات أضعاف تلك ولكنهما اكتشفا مغناطيسيّة الأبديّة في قلوبهم .. وجّهاها نحو الميناء فانجذبا بقوّة وسرعة إليه .. وهم على الطريق ألقوا بكلّ ما كان يعرقلهم نحو الذي وجدوا فيه طعم ومعنى الحياة الحقّة …

لم يرتحلا بحثًا عن فقرٍ بل عن يسوع

لم يغادرا القصور بسبب مشاكل أسريّة ولكن لكي يقووا روابطهم في عائلة الله

لم ينظرا إلى خلف نحو الصداقات بل إلى الوجه الأبرع جمالاً من بني البشر

لم يخرجا خلف أحد رجال الله ولكنّهم على الطريق وجدوا رجال الله فتشرّبوا منهم كيفيّة السير على درب الحبّ حتى نهايته …

تغرّبا في سوريا ومصر .. على الموانئ وفي قفار الصحراء .. كان تواريهم حتى يذوبوا في الحبّ الإلهي .. لم يريدوا ولو للحظة أن يفقدوا لذّة ما خرجوا من أجله ..

عاشا في شعور بالغربة لأنّهما عرفا معنى المواطنة السمائيّة .. اكتشفا مكانهم ومكانتهم في قلب الآب وعلى مائدة الحمل .. هناك حيث الجمع الذي عرف معنى الحبّ وزرع على الأرض قبل ارتحاله شجرة مكتوب عليها:

لقد أحببت

 

اطلبا عنّا أيّها الغريبان مكسيموس ودوماديوس أمام عرش النعمة

أن نجد الطريق وننال الرحمة الغامرة ونظفر بيقين الحبّ

فنسير على أثر المخلّص ونستدفئ بآثاركما على الطريق

نحو ميناء الملوكيّة 

متدثّرين برداء البنوّة