صوت الله وتشكيلنا

لا يوجد ما يَشْغَلُ أي مسيحي أكثر من البَحْثِ حول كيفيّة الاستماع لصوتِ الله. إلاَّ أنّ إشكاليتنا في البَحْثِ تَكْمُن في أنّنا نَبْحَثُ عن ”آليات“ مع أنّ الإجابة دائمًا هي ”العلاقة“. لن نَتَمَكَّن من السّماح لروح الله من أنْ يُزيل القشور عن آذاننا الروحيّة، والتي تعزلها عن نغمات البوق الإلهي، طالما نبحث عن آلياتٍ دونما رابطة علاقاتيّة مع مَنْ نريد أنْ نفهم ما يقوله لنا. الله شخص. الله كائن حقيقي. الله كائن تفاعلي. لا يمكننا أن نَصْنَع منه ماكينة جامدة تُعطي مُخْرَجاتَ مُحَدَّدة حينما نضغطُ على بعض الأزرارِ. لا يمكننا أن نُشَيِّء objectify الله بهذا القَدْر. يبدو أنّه على الدوام يستجدي العلاقة منّا، يقف على بوابة قلوبنا، يعاني من برودة رفضنا. نرفض العلاقة معه في الكثير من الأحيان لأنّنا لا نريد منه سوى تحقيق بعض الرّغبات المُلِّحة أو العَارضة. لا نريده، إذ لا نرى ضرورةً من الالتزام بعلاقةٍ معه. نؤجِّل العلاقة للمستقبل ونكتفي بتحقيق الرغبة في الحاضر!

قد ترى أنّك لست مهيّأً للالتزام بالعلاقة وتكتفي فقط بأمانٍ تلتقطه من موافقة الله على قرار، أو طلب مشورة الله في قرار! إنّنا في الكثير من الأحيان نتحوَّل إلى كائنات متمركزة حول ذواتها self-centered بشكلٍ مخيفٍ ومريضٍ.

إنّ الهدف الأساسي والجوهري من بحثنا لنستمع لصوت الله يجب أنْ يكون مرتبطًا بأنْ يكون لنا إلهًا ونكون نحن له شعبًا. صوت الله يهدف إلى إيقاظ وعينا على الحقيقة: إنّ حياتنا كلّها يجب أنْ تسير في اتجاه تكوين تلك العلاقة الحيّة بيننا وبينه. هنا يكمن السرّ. إنْ حاولت أنْ تُسِيء استخدام to abuse الصوت الإلهي لهدف آخر سوى أنْ يكون إلهك وتكون أنت خاصّته فأنت في المكان الخاطئ. لن يجديك الانتظار طويلاً طالما ظلّت توقّعاتك أسيرةً لتلك الرؤية القاصرة. صوت الله يدعو الجميع ليكون لهم إلهًا. في تلك العلاقة المُقَدَّسة يكمن كلّ المعنَى، ومنها تتوالد كلّ الثمار. إنّ تلك الشفرة - شفرة صوت الله - التي نحتار في فكّها ليل نهار، تصير واضحة رويدًا رويدًا لمَنْ يُوَجِّه مُسْتَقْبِلات التوقُّع الروحي في صلاته نحو العلاقة. من خلال العلاقة نبدأ في فهم الله. لن يتكشَّف لنا مرّة واحدة بكلّ تأكيد. سَيَنْسَلُ شعاعًا رقيقًا صافيًّا من ضياء المعرفة والفَهم على قلوبنا فنبدأ في رؤية الحقيقة.

يُعرِّف الفيلسوف الدنماركي كيركجارد الحقيقة قائلاً: ”الحقيقة التي تنير هي وحدها الحقيقة بالنسبة لك.“ فعل الحقّ هو فعل إنارة وله خواص النور من التكثُّف والإشراق والدفء، كما أنّ الغروب والظلمة وانحسار النور أيضًا هي من خواص غياب الحقّ. لذا نجد أنّ التعريف المركزي المُعَبِّر عن طبيعة الله في الكتاب المقدس هو أنّه نور وأنّه نار آكلة.

وهناك حيث النور يبزغُ على أرض قلوبنا المظلمة تبدأ أبجديات العلاقة وتبدأ مسيرة الحب. لن تكون هناك مسيرة مفعمة بالتفاصيل اليوميّة التي تحتاج لحوار ما بين الله وبين إنسان لم يَقْبَل نور معرفته ليُشْرِقُ على قلبه.

علينا أنْ نَقْبَل بأريحيّة تامّة أنّ الأمور تأخذ وقتها في العلاقة وأنّ العلاقة مع الله مسيرة طويلة. هل يمكننا أن نتعرَّف على شخصٍ ما، كُليَّةً، من جلسة واحدة؟

الكثيرون يزعمون أنّ لهم القدرة على ذلك! ولكن ... هذا وهمٌ كبير. حينما تكون العلاقة مع الله هي طموحنا الصادق وأنينا الدؤوب ومحور صلاتنا الدائم ومركز تساؤلاتنا وحواراتنا المستمرة، سنتعلَّم أنْ نُسَلِّم مشيئتنا له. وبطبيعة الحال، سننازع في الكثير من الأحيان لنُحَقِّق مشيئتنا. سنبكي كالأطفال الصغار. كثيرًا ما سنتوهَّم أنّنا على بيّنة بالأصلح لنا ولمَنْ حولنا. ولكن مع مرور العلاقة وبتراكم الخبرات بيننا وبين الله سنتدرَّب على الركوع على ركبتي الخضوع له. لن يكون خضوعنا لله لأنّه قادر على كلّ شيء فقط، ولكن لأنّ قدرته ممتزجة بمحبّة فائضة لنا. أنْ ندرك حبّه لنا، فهذا وحده كفيل بأنْ يجعلنا نطمئن له ونحن نقول: لتكن مشيئتك (حقًّا).

تلك المسيرة الممتدة تبدأ حينما نبحث عن الصوت الإلهي لمعرفة الله، لا لننال منه رغبةً عابرة أو حتى حاجة مُلِّحة. هو يستحق أنْ نعرفه، لأنّ في معرفته سَتَتَحَرَّرُ عيوننا من قيود رغباتها ومخاوفها وحاجاتها لتَشْبَع به والباقي كلّه سيُزادُ في وقته بحسب مشيئته الصالحة.